الشاعر هانى محمد على *ح ــــبيب ع ــــمري *
عدد المساهمات : 203 تاريخ التسجيل : 13/06/2010 العمر : 44 الموقع : HanyMohamedAli
| موضوع: قطة سندبـــاد الخميس يوليو 29, 2010 7:20 am | |
| قطة سندبـــاد
بعد أن توقف المطر خرج سندباد ليتمشى في إحدى الحدائق العامة .. كان الجو بديعًا، والهواء منعشًا ولطيفًا، وقد توجت الأزهار بقطرات المطر فأصبحت بشوشة تبتسم لكل من يمر بجوارها، وأصبحت تنشر في الهواء عبيرًا زاكيًا عطرًا. بدت السعادة والفرحة على وجوه الناس.. وقد تفرقوا للاستمتاع بهذه اللحظات الساحرة، فالأطفال يلعبون فرحين مسرورين في وسط الحديقة وأطرافها بينما جلس الآباء يشرفون عليهم من فوق الكراسي الخشبية وتحت الأشجار. لمح سندباد بعض الفتية مجتمعين وقد علت ضحكاتهم المكان، فتقدم نحوهم ليلقي عليهم التحية .. لكنه لما اقترب تغير لون وجهه، وقطب حاجبيه .. فالتفت أحد الفتية إليه فعرفه، وقال بصوت عال ليسمع بقيه رفقائه: -مرحبًا بصديق الأطفال سندباد .. هلم لتلعب معنا بالقطة! نظر إليه سندباد بحسرة وقال: -ولكن ما تفعلوه خطأ .. أنتم الآن تعذبون هذه القطة المسكينة: أجاب آخر: -للقطط سبعة أرواح يا سندباد، فلن يضرها شيء حتى وإن رميناها من فوق هذه الشجرة! فقال سندباد: -وهذه معلومات خاطئة أيضًا! فجميع الحيوانات لها روح واحدة فقط.. لاحظ سندباد أن الفتية مصرين على إلحاق الأذى بهذه القطة المسكينة، فأخذ يفكر لإيجاد طريقة أخرى يجعل هؤلاء الأطفال يتركون القطة في حال سبيلها، فقال لهم: -اسمعوني أيها الأصدقاء! التفت إليه الفتية، فأردف: -إن لي حكاية مع قطة تشبه هذه القطة في إحدى سفراتي المليئة بالغرائب والمغامرات .. هل تحبون أن أحكيها لكم؟ فقال الجميع بصوت واحد: -نعم نحب أن نسمعها! فجلس سندباد على مقعد خشبي، والتف حوله الفتية، فمد يده وتناول منهم القطة ووضعها في حضنه وجلس يمسح على ظهرها وبدأ يحكي: (( اشتقت للسفر في البحر ذات يوم .. فركبت على سفينة كان قبطانها صديقًا لي، وقد سافرت معه كثيرًا.. وأمر عماله بأن يحملوا أشيائي وأغراضي إلى غرفة بجوار قمرته.. وعندما بدأت السفينة تعلن عن انطلاقها، وقفت مع بقية المسافرين عند حافة السفينة نودع أهالي البلدة .. ثم انطلقت السفينة تشق عباب البحر، فعاد المسافرين إلى أماكنهم وبقيت أنا عند الحافة أنظر إلى البلدة وهي تختفي عن نظري شيئاً فشيئاً ولم أعد أرى شيئاً سوى البحر .. فشعرت بالدوار وأخذت نفسي إلى غرفتي لأستريح، وما إن دلفت إلى الغرفة حتى استلقيت على سريري وذهبت في غفوة قصيرة. لا أدري كم من الوقت مر وأنا نائم، وفجأة سمعت جلبة كبيرة في الخارج أفزعتني من النوم؛ فسمعت أحدهم بصوت عال يقول: -لقد وجدتها تأكل طعامنا! فتبعه صوت آخر: -امسكوا بها، وألقوها في البحر لتأكلها الأسماك! قمت من سريري، واتجهت صوب الباب، كانت الضوضاء قريبة جدًا من غرفتي، فترددت لحظة قبل أن أفتح، وجلست مع نفسي وتساءلت: -عن من يبحث هؤلاء القوم؟ فتشجعت وفتحت الباب، فشعرت بشيء سريع يمرق من بين قدمي لم أتبين ما هو، فهرول رجل ناحيتي وهو يقول: -لقد رأيتها تدخل غرفة السندباد! لقد رأيتها تدخل غرفة السندباد! وما هي إلا لحظات حتى وقف أمامي أربعة رجال أشداء يحملون العصي، فقلت لهم: -ما الذي تزعم أنه دخل إلى غرفتي؟ قال الرجل الغليظ: -لمحنا القطة تدخل إلى غرفتك! فتقدم رجل آخر، وقال بأدب: -هل تسمح لنا يا سيد سندباد بأن ندخل للقبض عليها! وقال الثالث: -دعنا نقبض عليها يا سيدي فهي قطة خطيرة، تأكل طعامنا وتعبث بأشيائنا! تطلعت إلى تحت السرير فرأيتها خائفة ترتجف، وقد حشرت نفسها في زاوية بعيدة، فأشفقت عليها وقلت لهم: -اتركوها وأنا سأتصرف معها! فأبوا إلا أن يدخلوا ويمسكوها.. فرفضت تسليمها لهم، فتخاصمنا.. هم يريدون أن يقتلوها، وأنا أريد إبقائها، فسمع القبطان صراخنا وجاء، فتبين الأمر وقال لي: -لماذا تريد أن تحتفظ بها يا سندباد، إنها تسبب لنا الكثير من المتاعب وعلينا أن نتخلص منها! فأجبته: -لكن ديننا الإسلامي لا يسمح بذلك يا صديقي .. ألم تعلم بحديث رسول الله ( ص ) عن صاحبة القطة التي دخلت النار عندما حبستها. واعلم أيها القبطان، أني سأتولى رعاية هذه القطة حتى عودتنا من الرحلة، وأعيدها إلى البلدة التي جاءت منها، ولن تسبب لكم أي متاعب بعد الآن، وسأجعلها تلازمني طوال الوقت. فقال القبطان: -حبًا وكرامة يا سندباد! فأخذت القطة وعدت بها إلى غرفتي، وأنا في غاية السعادة كوني أنقذت روحًا من الهلاك. ثم توليت رعايتها؛ وجعلت أطعمها وأسقيها، فصارت تلازمني، وتسير معي أينما سرت، وذهبت فوق السفينة، حتى جاء ذات يوم رسونا فيه على جزيرة جميلة كثيرة الأشجار يانعة الثمار، متفتحة الورود والأزهار، فيها من الطيور والفراشات ما يبهج النفس ويشرح الصدر.. وفي المقابل ليس فيها بيت أو دار أو كوخ. نزل المسافرون يتفرجون على الجزيرة، ونزلت معهم ومعي قطتي وبعض الطعام .. فأخذني جمال الجزيرة الخلاب، وسلبني منظرها الجميل وخضرتها الناضرة، فاتخذت مكانًا عاليًا فوق ربوة، حيث جلست تحت شجرة عملاقة خضراء .. أخرجت طعامي، وجلست أتناوله، وقطتي بجواري تأكل.. وبعد أن انتهيت من أكل طعامي، تلذذت بالهواء العليل عند تلك الربوة، واستلقيت في فيء ظلال تلك الشجرة العملاقة، وذهبت في سنة نوم. لم أشعر بالوقت وهو يمر .. لكني شعرت بمن يحاول أن يجرني من يدي .. انتبهت فزعًا فإذا بها القطة تلطم يدي بمخالبها، وتقوم بحركات غريبة، وتقفز وتدور حول نفسها .. تعجبت من ذلك، وحاولت أن أفسر ما الذي تود القطة قوله.. كانت تحاول أن تخبرني شيئًا .. وفجأة التفت ناحية الشاطئ، فرأيت السفينة تتحرك، ففهمت أن القطة كانت تحاول أن تخبرني بذلك فرددت في نفسي: " فهمت الآن ماذا تريدين أن تقولي.." ثم لملمت ما استطعت لملمته من أشيائي، وهرولت مسرعًا، وأنا أهتف وأنادي، والقطة تجري بجواري تارة، وأخرى تسبقني. كانت السفينة تبتعد شيئًا فشيئًا، وما إن وصلت إلى الشاطئ حتى بركت من التعب والإرهاق، وأنا أصرخ وألوح بقميصي علهم يبصروني أو يسمعوني، لكن السفينة كانت تبتعد أكثر فأكثر. فأيقنت أن لا فائدة من الصراخ، فهم لن يسمعوني، فشعرت بيأس شديد .. كانت القطة تلامس قدمي بجسدها، فنظرت إليها وقلت لها: -لا عليك يا صديقتي.. لقد فعلت ما عليك فعله، لكنه قدر الله .. ورفعت يدي إلى السماء أدعو الله، وأدعو وأدعو من أجل أن يكشف عني الغم، وينقذني برحمته من هذا المأزق. وفجأة وبينما أنا رافع يدي إلى السماء أدعو، أحسست بوخز في قدمي، فالتفت فإذا بها قطتي قد عادت إلى حركتها السابقة، فالتفت ناحية البحر فرأيت السفينة قد توقفت، وبدأت تعود أدراجها.. وما إن رأيتها تقترب حتى تهلل وجهي فرحًا؛ فسجدت على الأرض شكرًا لله .. وصلت السفينة إلى الشاطئ، وصعدت إليها، وقد وقف المسافرون في انتظاري، وعلى رأسهم القبطان الذي استقبلني بحرارة، وهو يقول: اعذرنا يا صديقي السندباد، لقد حسبناك في غرفتك إلى أن لمحك أحد عمال السارية تشير بيدك ملوحصا، فعدنا إليك .. قلت لهم، وأنا أبكي من الفرح: -الحمد لله الذي وهبني هذه القطة الوفية التي أبلغتني بأمر السفينة بينما كنت نائمًا .. وحكيت لهم ما كان من أمري، وكيف تصرفت القطة الوفية حيال الأمر، فصار الناس في السفينة يحبون القطة، ويعاملونها معاملة حسنة .. وجعلوها على بضائعهم تحرسها من الجرذان حتى لا تفسدها .. )) ظل الفتية مشدوهين منتبهين مع حكاية سندباد .. حتى انتهى من كلامه .. فأطرقوا برؤوسهم إلى الأرض وقالوا: -من الآن علينا أن نرفق بالحيوان! فقال آخر: -أخبرنا يا سندباد كيف نعتذر للقطة التي آذيناها قبل قليل؟ فأجاب سندباد: -عليكم أن تمسدوا على ظهرها، وتدعوها في حال سبيلها .. فقام الأصدقاء ومسحوا على ظهرها، ثم أطلقوها تذهب .. وبهذه الطريقة استطاع سندباد أن يعلم الفتية درسًا مهما في الرفق بالحيوان .. انتهت ..
| |
|